في الشهر السادس الميلادي من سنة 1990 اقترح أبي أن نزور العراق سياحة و تجوالاً في بعض مدنه و أقاليمه الرئيسية و كنا نعيش في الكويت التي لا يبعد مركزها كثيرا عن الحدود الكويتية العراقية. ووافقنا أبي جميعا و حزمنا أمتعتنا متجهين إلى بلاد الرافدين.
دخلنا العراق من العبدلي و مما يتبادر إلى ذهني الآن الطريق الطويلة جدا من البصرة إلى بغداد و الممتلئة بمزارع القمح. ايضاً أذكر البصرة و التي بدا خارجها مجموعة من المستنقعات لم تشبه أبدا البصرة التي زرناها قبل ذلك بسنوات.
على كلّ فقد تجولنا في بغداد و أربيل و كردستان العراق و مما أذكره في كردستان بحيرة دوكان الجميلة و الشعب الكردي الطيب و الذي أدهشنا كل دقيقة بكرمه الشديد.فمثلا ما أن علم فران بأننا فلسطينيون حتى أعاد المال إلى أبي و لم يقبل به و قال أنه لم يفعل بما فيه الكفاية من أجل القدس. و أذكر أيضا قسا في منطقة إسمها صلاح الدين أو قريبة منها رفض أن يقبل المال مقابل 5 كيلو عسل أصلي إلاّ ان والدي نجح في إقناعه بتقبل نصف السعر على الأقل.أذكر في كردستان أيضا(و هذا غريب) المدارس التي كانت لغة التدريس فيها كردية.
مع الأسف لا أذكر من بغداد الكثير إلا فندق الفنجان و الجندي المجهول و ميدان السعدون(فلجة بالعراقي).
آسف, أذكر أيضا أننا أخذنا أكثر من 1000 صورة في بغداد وحدها. على كل هذا ليس موضوعي.
بعد شهرين من السياحة تقريبا و عندما كنا في طريقنا إلى الحدود العراقية التركية أضعت انا جواز سفر أبي و الذي كنا جميعا مسجلين فيه و كانت هذه اللحظة القدرية التي أعادتنا إلى الكويت قبل غزوها بيوم وا حد فقط.
عدنا إلى الكويت و كنا نسكن في منطقة جليب الشيوخ و في يوم 2/8/1990 جاء أخي الصغير الساعة السابعة صباحا ليوقظني و يقول "العراقيون دخلوا" و قلت له "دخلوا وين؟" فقال "دخلوا الكويت"
كان أبي قد خرج من البيت مبكرا إلى عمله في وزارة الخارجية و فوجئنا به في البيت يقول أنه رأى جنودا عراقيين في كل أنحاء مدينة الكويت و كان أحدهم قد أجاب أبي عن سؤاله عما يحدث "ارجع عيني لبيتك آكو انقلاب" و فهم أبي في البداية ان انقلابا قد حدث و لكي يتأكد, زار صديقا له كويتيا فلم يجده و قيل لأبي أنه غزو و ليس انقلابا.
جاء أبي و معه الكثير من الخبز و السجائر. ثم خرج ليطمئن على كثير من أصدقائه الكويتيين و غيرهم و الذين كانوا يرتادون ديوانية معينة و لم يجد معظمهم فبعضهم اعتقل صباحا و آخرون لجؤو إلى أقربائهم.
إن لم تخيبني ذاكرتي فقد كان الوقت صباحا أيضا عندما بدأ بث التلفاز الكويتي ينطلق من عربات متحركة طالبا العون من مجلس التعاون الخليجي و غيره.
كي أسهل على نفسي الكتابة أريد أن أسرد ما أذكر في قائمة:
ـ بدأنا نحن الأطفال و بتنظيم من إمام المسجد تنظيف الشوارع من القمامة المتراكمة بعد يومين أو أكثر قليلا من الغزو.
ـ أذكر جيدا السرقات التي انتشرت في كل مكان و التي دفعت أبي للتسلح لحمايتنا و سيارتنا. فكنا نستيقظ و نرى سيارة أو اثنتين في الحي قد سرقت عجلاتها و لم تكن السرقة حكرا على أناس من جنسية معينة.
ـ رأيت ضابطا عراقيا يعدم لأنه اغتصب جمعية تعاونية و قد علق متدليا من سطح المبنى و قد كتب على لافتة تحته "عبرة لمن لا يعتبر".
ـ رأيت جنديا عراقيا يسأل أبي "فلسطيني؟" فقال أبي "نعم" فقال "إمشي" ثم مال الجندي نفسه يسأل جارنا في سيارته "كويتي؟" فقال "نعم" فصاح الجندي أن إنزل من السيارة و خذ طريق الصحراء إلى بيتك. كان هذا منظرا محزنا جدا و مثيرا.
ـ أذكر مجموعة من المصريين قتلو جميعا عندما حاولوا سرقة محل يبيع المجوهرات.
ـ أذكر بعض الفلسطينيين كانوا قد نظموا أنفسهم تحت مسميات سخيفة مثل منظمة رامي و سمير و استباح هؤلاء الأعراض و الأنفس و الأموال.
ـ أذكر صاحب محل مجوهرات قد إاتمن عمي على ذهب و مجوهرات كثيرة استردها بعد خروج العراق من الكويت و قدومه إلى الأردن.
ـ أذكر أفرادا من الجيش الكويتي و كانوا من غير الكويتيين (في الغلب باكستانيون و بنغاليون) قد نزعوا ثيابهم هاربين إلى بيوتهم في اليوم الأول.
ـ أذكر عائلة بنغالية كانت قد أفرغت "نحن و الأطفال" عن بكرة أبيه.
ـ أذكر أننا خرجنا من الكويت بعد الغزو بسبعة عشر يوما إذ كان قد حمي وطيس المقاومة.
ـ أذكر جيدا أن المقاومة لم تكن من قبل الكويتيين فقط فقد قام عمي و إسمه حاتم مع جماعة من الشباب الكويتي بمهاجمة مخفر جليب الشيوخ كان قد احتله العراقيون , و طبعا تتبعهم الجيش العراقي بمضادات الطائرات إلى أن استسلموا و عندها أعدم الكويتيون و أرسل عمي إلى سجن سامراء في العراق و الذي هاجمه الشيعة أثناء الحرب و أعتقوا من بداخله و منهم حاتم.
ـ ذكريات سيئة و هذا ليس كل ما أذكر.
أول ما خطر على بالي اليوم كانت امي و هي تقول بعد الغزو مباشرة بأن صدام يلاحقنا. و هذا هو سبب كتابتي عن الكويت اليوم.
بس
دخلنا العراق من العبدلي و مما يتبادر إلى ذهني الآن الطريق الطويلة جدا من البصرة إلى بغداد و الممتلئة بمزارع القمح. ايضاً أذكر البصرة و التي بدا خارجها مجموعة من المستنقعات لم تشبه أبدا البصرة التي زرناها قبل ذلك بسنوات.
على كلّ فقد تجولنا في بغداد و أربيل و كردستان العراق و مما أذكره في كردستان بحيرة دوكان الجميلة و الشعب الكردي الطيب و الذي أدهشنا كل دقيقة بكرمه الشديد.فمثلا ما أن علم فران بأننا فلسطينيون حتى أعاد المال إلى أبي و لم يقبل به و قال أنه لم يفعل بما فيه الكفاية من أجل القدس. و أذكر أيضا قسا في منطقة إسمها صلاح الدين أو قريبة منها رفض أن يقبل المال مقابل 5 كيلو عسل أصلي إلاّ ان والدي نجح في إقناعه بتقبل نصف السعر على الأقل.أذكر في كردستان أيضا(و هذا غريب) المدارس التي كانت لغة التدريس فيها كردية.
مع الأسف لا أذكر من بغداد الكثير إلا فندق الفنجان و الجندي المجهول و ميدان السعدون(فلجة بالعراقي).
آسف, أذكر أيضا أننا أخذنا أكثر من 1000 صورة في بغداد وحدها. على كل هذا ليس موضوعي.
بعد شهرين من السياحة تقريبا و عندما كنا في طريقنا إلى الحدود العراقية التركية أضعت انا جواز سفر أبي و الذي كنا جميعا مسجلين فيه و كانت هذه اللحظة القدرية التي أعادتنا إلى الكويت قبل غزوها بيوم وا حد فقط.
عدنا إلى الكويت و كنا نسكن في منطقة جليب الشيوخ و في يوم 2/8/1990 جاء أخي الصغير الساعة السابعة صباحا ليوقظني و يقول "العراقيون دخلوا" و قلت له "دخلوا وين؟" فقال "دخلوا الكويت"
كان أبي قد خرج من البيت مبكرا إلى عمله في وزارة الخارجية و فوجئنا به في البيت يقول أنه رأى جنودا عراقيين في كل أنحاء مدينة الكويت و كان أحدهم قد أجاب أبي عن سؤاله عما يحدث "ارجع عيني لبيتك آكو انقلاب" و فهم أبي في البداية ان انقلابا قد حدث و لكي يتأكد, زار صديقا له كويتيا فلم يجده و قيل لأبي أنه غزو و ليس انقلابا.
جاء أبي و معه الكثير من الخبز و السجائر. ثم خرج ليطمئن على كثير من أصدقائه الكويتيين و غيرهم و الذين كانوا يرتادون ديوانية معينة و لم يجد معظمهم فبعضهم اعتقل صباحا و آخرون لجؤو إلى أقربائهم.
إن لم تخيبني ذاكرتي فقد كان الوقت صباحا أيضا عندما بدأ بث التلفاز الكويتي ينطلق من عربات متحركة طالبا العون من مجلس التعاون الخليجي و غيره.
كي أسهل على نفسي الكتابة أريد أن أسرد ما أذكر في قائمة:
ـ بدأنا نحن الأطفال و بتنظيم من إمام المسجد تنظيف الشوارع من القمامة المتراكمة بعد يومين أو أكثر قليلا من الغزو.
ـ أذكر جيدا السرقات التي انتشرت في كل مكان و التي دفعت أبي للتسلح لحمايتنا و سيارتنا. فكنا نستيقظ و نرى سيارة أو اثنتين في الحي قد سرقت عجلاتها و لم تكن السرقة حكرا على أناس من جنسية معينة.
ـ رأيت ضابطا عراقيا يعدم لأنه اغتصب جمعية تعاونية و قد علق متدليا من سطح المبنى و قد كتب على لافتة تحته "عبرة لمن لا يعتبر".
ـ رأيت جنديا عراقيا يسأل أبي "فلسطيني؟" فقال أبي "نعم" فقال "إمشي" ثم مال الجندي نفسه يسأل جارنا في سيارته "كويتي؟" فقال "نعم" فصاح الجندي أن إنزل من السيارة و خذ طريق الصحراء إلى بيتك. كان هذا منظرا محزنا جدا و مثيرا.
ـ أذكر مجموعة من المصريين قتلو جميعا عندما حاولوا سرقة محل يبيع المجوهرات.
ـ أذكر بعض الفلسطينيين كانوا قد نظموا أنفسهم تحت مسميات سخيفة مثل منظمة رامي و سمير و استباح هؤلاء الأعراض و الأنفس و الأموال.
ـ أذكر صاحب محل مجوهرات قد إاتمن عمي على ذهب و مجوهرات كثيرة استردها بعد خروج العراق من الكويت و قدومه إلى الأردن.
ـ أذكر أفرادا من الجيش الكويتي و كانوا من غير الكويتيين (في الغلب باكستانيون و بنغاليون) قد نزعوا ثيابهم هاربين إلى بيوتهم في اليوم الأول.
ـ أذكر عائلة بنغالية كانت قد أفرغت "نحن و الأطفال" عن بكرة أبيه.
ـ أذكر أننا خرجنا من الكويت بعد الغزو بسبعة عشر يوما إذ كان قد حمي وطيس المقاومة.
ـ أذكر جيدا أن المقاومة لم تكن من قبل الكويتيين فقط فقد قام عمي و إسمه حاتم مع جماعة من الشباب الكويتي بمهاجمة مخفر جليب الشيوخ كان قد احتله العراقيون , و طبعا تتبعهم الجيش العراقي بمضادات الطائرات إلى أن استسلموا و عندها أعدم الكويتيون و أرسل عمي إلى سجن سامراء في العراق و الذي هاجمه الشيعة أثناء الحرب و أعتقوا من بداخله و منهم حاتم.
ـ ذكريات سيئة و هذا ليس كل ما أذكر.
أول ما خطر على بالي اليوم كانت امي و هي تقول بعد الغزو مباشرة بأن صدام يلاحقنا. و هذا هو سبب كتابتي عن الكويت اليوم.
بس
هناك ٦ تعليقات:
يا عمر تغريني بأن اكتب ذكرياتي عن ذلك الغزو و عن رحلة هروب عبر العراق
علنا نقارن الذكريات
اذ انني كنت ايضا هناك..
لا أعرف
أحب أن أختزن تلك الذكريات ( احوشها ) لاستخدمها لاحقا كالبخيل
و لكنك تغريني بأن احكي ذكرياتي عديمة المعنى...
إحكي و الله يا محمد. كنت سأراسلك اليوم لو لم تكتب.
و يمكن إخوانا الكويتتين يقرأوا و يكتبو في نفس الموضوع و يكون ذلك أول الطريق لرأب الصدع وتخييط الجرح العميق على الأقل على المستوى الشخصي. مش إحنا دكاترة ولاّ إيه.
:)
اعتقد اننا كلنا يجب ان نكتب عن هذا الموضوع لانه كان حادث مروع في حياتنا. لو نتبادل القصص الشخصيه لسعادنا بعضا البعض. انا هاجرت من الكويت في عام 1989 بعد ما عشت فيها 18 سنه. اهلي لحقوني بعدها كان اخرهم والدي اجا علي كندا شهرين قبل الغزو. كنا نتفرج علي الاخبار مش مصدقين حضنا. طلعنا منها زي الشعره من العجينه. بالرغم من ذلك اعتبر انه غزو الكويت حادث مروع في حياتي مع اني ام اعيشه شخصيا. الله يلعن صدام وكل المصايب اللي عملها
نحن كنا في إجازة في القاهرة و لم نعد.
سمعنا حكايات النهب و السلب التي نال الفلسطينيون الجانب الأكبر منها، بسبب أنهم أكثر من بقي ربما.
استرددنا محتويات منزلنا بعد بضعة أشهر، قبيل بداية الحرب.
كنا نعيش في السالمية، شارع البلاجات، حيث قام جار فلسطيني لنا ممن كانت الكويت وطنهم الذي لم يعرفوا غيره بالتعاون مع آخرين على حماية عمارتنا.
كنت أمضيت الأعوام الأربعة عشرة الأولى من عمري هناك، و لكن عندما حان وقت الرحيل لم أحزن كثيرا، فقد كانت نهاية مرحلة..معها انتهت الطفولة و بدأت حياة جديدة، و عالم جديد لأستكشفه.
عدت لزيارة الكويت مرة لأسبوعين أو ثلاثة في صيف 1992.
زيارتي الوحيدة للعراق كانت قبل أن أتم عامي الأول!
هل هي صدفة أن نكون هكذا! تعرفون ما أقصد..هذا..
التشابه في العقلية، العين المدققة..النقد الاجتماعي و السياسي..لا أدري ماذا أسميه: ساخر أسود..يائس، مثالي، يوتوبي، حالم، آمل بغد أفضل.
لا أعتقد انها صدفة يا اليف. أنا بصراحة إلى الآن لم أرى نظام تعليم أفضل من الذي كان في الكويت. أيضا إذا لم اكن مخطئا فنحن أولاد جيل واحد. تركت الكويت و عمري 13 سنة.
الأسباب كثيرة و لا أدعي معرفتي بها كلها.
يمكن هي خلطة من الوضع المادي الميسور مع التعليم الجيد و الأمان و كون البلاد صغيرة أيضا. يمكن. و لكنها بالتأكيد ليست صدفة. معظم أصدقائي الذين جاؤو من الكويت يحملون صفات فيها تشابه كبير أيضا.
بس
بالمناسبة هذا يستحق أن يكون موضوعا يكتب عنه بإسهاب
إرسال تعليق