السبت، كانون الثاني ٠١، ٢٠٠٥

يوم القيا مة في تركيا ـ 2

الحلقة الأولى هنا
فأجابني: لا أعرف إتركني في حالي.
استيقظ عقلي بعد دقائق و أيقنت عندها أن ما جرى كان زلزالا و ليس يوم القيامة. بالرغم من هذا لازمتني حيرة بسبب اسم الزلزال عند الأتراك "زلزلة" و ودتت لو أتأكد مئة في المئة. و عدت أراقب جاري أبو الزلزلة علّي أسمع منه شيئا يطمئنني أكثر. و بالفعل سمعته يصرخ قائلا ان منطقة في إستنبول إسمها "الصيادون" قد دمرت شر تدمير..و قال أن مركز الزلزال في منطقة إزميت..و لم أطمئن. استلقيت على أرض معشبة امام الإسكان شابكا أصابع يداي فوق صدري متذكرا بدء الزلزال و منظر الطير الذي اصطدم بنافذتي في ذروة الإهتزاز.
علمت ان بعض السكان قد عزموا أمرهم على الصعود إلى شققهم و سمعت أحدهم يقول "خلاص.. الزلزال انتهى و العمارة لم تقع فلم الخوف؟" و كان بالفعل مقنعاً.
من غرائب البشر و يمكن الحيوانات أيضاً, أنهم يفضلون التجمع و الإقتراب من بعض عند أزمات كهذه. لم يدخل منا أحد العمارة قبل ان تجمع كل أهلها على بابها و كأننا نحضر أنفسنا لعدو أو سارق او مجرم ينتظرنا خلف الباب. بالنسبة لي فأنا أحب أن نموت معاً و نحيا معاً و هذه ليست أنانية و إنما استئناس!!
لم أستخدم المصعد و ركضت عارجا إلى بيتي بسرعة و حدث ما لم يكن في الحسبان. لم أعرف كما جيراني بأن كل زلزال تعقبه عادة هزات ارتدادية . عدت أدراجي إلى الحديقة قبل أن أصل البيت و انتابتني حالة من العصبية التي لا أستطيع أن أسيطر عليها أحيانا ألكُم الحائط و أركل كل شيئ يُركَل أثناء نزولي ممتعضا من التوقيت السيئ فقد كنت على أبواب اختبارات صعبة في الجامعة.
طلعت الشمس فحاولت أن اتصل بأهلي كي أطمئنهم و لكن الخطوط كانت مزدحمة. انتظرت حتى الساعة الثامنة صباحاً في الشارع متسكعا مع الجيران ثم هاتفت أهلي مرة أخرى و قال
أبي: ألو
عمر: ألو صباح الخير يابا. أنا عمر.
أبي: أهلين حبيبي شو أخبارك.
عمر: زي الخراءة , ما سمعتو الخبر؟ صار عندنا زلزال!
أبي: و الله؟ و إنتِ بعدك عايش؟ (يضحك)
عمر: و الله بحكي عن جد. فقط أردت ان أطمئنكم اني على قيد الحياة.
أبي: طيب شكراً دير بالك على حالك.
عمر: (صمت, أنتطر القليل من الإشفاق و كلمات من الحنان)
أبي: طيب يا عمر سأكلمك لاحقا. سنأتي إلى استنبول للتصوير , و لكن علي أن أتصل بمديري. (صوت أمي أسمعه من بعيد تقول لأبي أن مائدة الإفطار قد جهزت)
عمر: أوكي , يلاّ سلام
أبي: سلام
صعدت إلى الشقة مرة أخرى و حاولت ان انام و لم أستطع بسبب الهزات الإرتدادية. أصبت بالذعر عندما عادت الكهرباء و رأيت صور الدمار في التلفاز تلتقط في إزميت و نواحي أخرى من إستنبول.
زارني والدي بعد اتصالي به بخمس ساعات فقط. و غادلر بعد نصف ساعة إلى مركز الزلزال.
فكرت ملياً بمكان آمن أخلد إليه و لم أجد إلا بناء سينما الكابيتول القوي و ذا الحيطان الخميلة جدا.
ذهبت إلى السينما و دخلت فيلما فرنسيا خرائيا , و سرعان ما غفيت نائما إلى أن أيقظني العامل الوحيد هناك بعد انتهاء الفيلم.
ضاق صدري الآن و لا أعرف كيف أكمل. أريد قبل أن أبسبس أن أذكر أن كثيرا من الناس في تركيا قالوا أن هذا عذاب من الله كما يقول الكثيرون اليوم بان ما حدث في جنوب شرق آسيا كان هدية الله للكريستمس إلى شعوب المنطقة. الفرق يكمن في ان أجهزة الإعلام في تركيا أخذت على عاتقها إقناع الناس بأن لا علاقة لغضب الله بما حصل و بأن المخطئ هو من يسكن فوق fault zone متعارف على أنها قد تحدث زلزالا في أي لحظة. عندها بدأ الناس بتقوية مبانيهم و التحضير للزلزال القادم الذي يقال أن قوته ستكون على الأقل 7.6 .
نعم الله يعذب أحيانا و لكننا نعرف ذلك لأن الله أخبرنا في القرآن و باقي الكتب السماوية عن من عذبهم و ليس من المنطقي أن نتهم الله في نكبات لم يخبرنا عنها.
حدثنا الله عن قوم ثمود و عاد و لوط و لكنه لم يقل سيريلانكا أو كوالالمبور.
بس

هناك تعليقان (٢):

ihath يقول...

هل مرورك بهذه الاحداث اثر عليك ....على تفكيرك؟....علي نظرتك للحياة؟...هل هذا الحدث اثر على سلوكك؟

Arabi يقول...

لم أستطع الدراسة من وقت الزلزال إلى الإختبار و هذا ادى إلى إعادة سنة كاملة أنا و كثير من أصدقائي في الصف و الذين بعضهم كان يعيش في مركز الزلزال. من هنا تعلمت أن لا أترك شيئا أستطيع فعله اليوم لغدِ لأن أحدا لا يعلم ماذا سيحدث.
أيضا أصبحت حذرا أكثر فكل نقودي و أوراقي المهمة في كيس بقرب حذائي دائما و زوجتي أيضا حتى يكون لنا فرصة كافية للهروب حال حدوث الزلزال الذي تتوقعه الدولة رسميا.
أيضا المرور بزلزال شديد كهذا و تعرضك لإحتمال الموت جعلني أحس بقيمة الحياة أكثر. و تعلمت ان الناس كلها بركة و خير كما يقول المثل.
بس