الأربعاء، كانون الثاني ٠٥، ٢٠٠٥

لا تعيدها

قبل ان يتوفى الملك حسين بسنة أو سنتين لا أذكر بالضبط قيل أنه شرع في إصلاحات حقيقية في مراكز الشرطة و السجون و المخابرات. و كان أحد أقربائي(س) أول من يجرب الإصلاحات هذه في عائلتنا. كان يجتمع في مسجد قرب عمله مع مجموعة من الناس هي نفسها الآن التي يتخرج منها الزرقاويون و كان المسجد في الزرقاء و معظم مريديه من بني حسن. و في يوم من الأيام زرته في مكان عمله و فوجئت بمنشورات يطبعها س لتوزع من بعد على مواطني الزرقاء و كانت تحتوي على حقائق و أكثر منها افترائات ليس لها إثبات على عائلة الملك. الحقائق كانت تتحدث عن الفساد و المحسوبية في البلد أما الإفترائات فكانت عن بنات و اخوات الملك. صعقت و رجوته أن يتلف هذه الأوراق كلها و أن ينقذ نفسه قبل فوات الأوان فما يفعله و أصحابه لم يبدو كما يجب أو يستساغ عقليا للحث على إصلاح يمكن أن يتفق عليه الناس فيما بعد.
قال لي س أنه لا يخاف.
اعتقلته المخابرات بعد يوم واحد و علمنا ذلك من ام س.
خرج في نفس اليوم و كان ذلك مدهشا للجميع.
جاء س و بشرنا بأنهم في المخابرات لم يضربوه او يسبوه او يعذبوه و أنهم فقط سألوه.
مخابرات: لماذا تفعل هذا يا س؟
س: أنا ...أنا...يعني علشان تصير البلد أحسن..
المخابرات: طيب تريد أن تقول لنا من كان معك أيضا؟ نحن نعرفهم و لكننا نريد أقوالك أنت أيضا.
س: أنا...أنا...لا أريد أن أشي بأصدقائي.
مخابرات: ماشي يا س. إذهب إلى بيتك لن نفعل لك شيئا و اعلم أنك مراقب و لا تعيدها أحسن لك.
جاء س و باديا عليه الإرباك بخصوص أفكاره القديمة.
كانت الدولة التي يحلم بها هؤلاء و من ضمنهم س كيانا يشبه إلى حد كبير ما قد يريده بن لادن او الزرقاوي.
دولة لا تكتفي بالقصاص و العقوبات المنصوصة عليها في القرآن مثلاً و إنما تكون أيضا مسؤولة عن مدى تدين الناس و عن ما يجب أن يسمعوه و يقولوه. دولة تراقب من يصنع الخمر في بيته ليشرب وحيدا و دولة لا تسمح بالغناء في مهرجان جرش ..إلخ...
كنت يوما أجلس في بيت س عندما كانت أمه تشاهد ماجدة الرومي تغني في مهرجان جرش. جاء أحد أصحاب س يومها و أغلق التلفاز دون إذن و أخبرنا بأن كل من يرقص في جرش, لا يستحق الحياة و أنه يجب أن يموت و قال أنه لو كان الأمر بيده في ذلك اليوم لوضع طنا من المتفجرات في مبنى المهرجان ليقتل كل من فيه. العجوزة ام س اعترضت طبعا و قالت له" ليش يا إبني ليش؟ خلي الناس تنبسط. شو بدك فيهم يا خالتي؟ الله يهديك " فكان رده "الله يهدينا جميعا هؤلاء كفار"
الختيارة: لا حول و لا قوة إلا بالله حرام عليك يا إبني.
علمت أن هذا الشاب اعتقل فيما بعد أيضا لحوزته على قنابل يدوية عديدة في بيته و كان اخوه الأكبر هو من بلغ عنه.
حسنا..لم يكن هذا موضوعي..كنت أريد أن أقول ان الوضع في الأردن اليوم عاد إلى ما قبل محاولة الملك حسين في الإصلاح بل أصبح الشأن أسوأ بشهادة الكثيرين ممن أعرف.
التعذيب في السجون و المخابرات.
لكي نكون عادلين علينا الإعتراف بصعوبة التعامل مع أناس مثل أصحاب س. فالحقيقة أنك إذا اعتقلتهم ستزداد الأمور التهابا و إذا سرحتهم سيعودون بالتأكيد لخططهم بالتفجيرات و القتل و غيره لأنهم يعتبرون كل ذلك واجبات دينية يعاقب الله المتخلف عنها.
الوضع في بلادنا صعب. و أقول أن الملكية أفضل بكثير من دولة بنلادنية.
الوضع بدّو رضع يا شباب.
بس

ليست هناك تعليقات: